الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التغيير في الضغط الجوي أحد عوامل حركة الرياح: تنجم التغيرات في الضغط الجوي اساسا عن التغيرات في كم الحرارة الذي يصل إلي الأجزاء المختلفة من سطح الأرض في أثناء دورانها حول محورها المائل علي دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا امام الشمس، وفي مدار حولها.ويؤدي الاختلاف في درجات حرارة الغلاف الغازي للأرض إلي تكون مناطق ذات ضغط مرتفع، وأخري ذات ضغط منخفض، وترسل الرياح بإرادة الله تعالي، وحسب قوانينه وسننه في حركة رأسية وأفقية متصلة من مناطق الضغط المرتفع إلي منطاق الضغط المنخفض حسب شدة انحدار أو ارتفاع خطوط تساوي الضغط حول كل منطقة من مناطق الضغط الجوي.ويعين علي ذلك سرعة دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق، والتي تساعد في توجيه حركة الرياح وتؤدي إلي تكسر كل من الرياح الساخنة المتدفقة من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين، والرياح الباردة المتدفقة من القطبين في اتجاه خط الاستواء علي هيئة عدد من الخلايا الهوائية الكبيرة بعضها خلايا دافئة ورطبة ترتفع الي اعلي لتكون السحب الممطرة بإذن الله، وبعضها خلايا باردة وجافة تهبط الي اسفل، وبعضها خلايا متوسطة البرودة والجفاف، وهي أيضا تمثل رياحا هابطة إلي أسفل.ويؤثر دوران الأرض حول محورها أمام الشمس تأثيرا عموديا في حركة الرياح سرعة واتجاها، فتحرفها جهة اليمين بصفة عامة في نصف الأرض الشمالي، وجهة اليسار بصفة عامة في نصفها الجنوبي، ويزداد هذا الاثر في طبقات الجو العليا بمعدلات أكبر مما يؤدي إلي تغيير اتجاه الرياح تدريجيا حتي يصبح موازيا لخطوط تساوي الضغط Geostrophic Wind أما قريبا من سطح الأرض فإن الرياح لا تهب بموازاة خطوط تساوي الضغط تماما بسبب احتكاكها مع تضاريس سطح الأرض.كذلك ترسل الرياح بإذن من الله تعالي في حركات رأسية حيث يدفأ الهواء الملامس لسطح الأرض فيرتفع إلي أعلي، ويحل محله تيار من الهواء البارد الهابط إلي أسفل..تكون الكتل والجبهات الهوائية: بهذه الحركة الدائبة للرياح أفقيا ورأسيا ينقسم الغلاف الغازي المحيط بالأرض (في نطاقي الرجع والتطابق اساسا إلي اعداد من الكتل الهوائية المتجاورة، والكتلة الهوائية تمثل بكمية هائلة من الهواء المتجانس فيما بينه في درجتي الحرارة والرطوبة النسبية، تمتد أفقيا لعدة كيلو مترات، ورأسيا بين ثلاثمائة وثلاثة الاف متر، ومن هذه الكتل الهوائية ما هو دافئ، وما هو بارد، ومنها ما هو رطب، وما هو جاف، ومنها ما يغير درجة رطوبته النسبية بمروره فوق مساحات مائية كبيرة أو فوق مساحات من الصحاري الجافة القاحلة.ويتكون بين الكتل الهوائية المتجاورة أفقيا ورأسيا ما يسمي باسم الجبهات الهوائية، والجبهة الهوائية هي الحد الفاصل بين كتلتين متجاورتين من كتل الهواء المتباينة في درجات حرارتها ورطوبتها النسبية، ولذلك تكون منطقة تفاعل جوي نشط.وإذا التقت كتلتان من الهواء فإن الباردة منها تنزل تحت الدافئة، ويتكون بينهما منطقة انتقالية هي منطقة الجبهة الهوائية التي تحول دون اختلاطهما، وتفصل بين صفاتهما الفيزيائية والكيميائية، وسرعة الرياح واتجاهاتها في كل منهما.وعبور الجبهة الهوائية لمنطقة ما يؤثر في ظروفها المناخية تأثيرا بالغا، فإذا كانت الجبهة باردة أدت إلي انخفاض درجات الحرارة، وإلي تكون السحب الطباقية ونزول المطر بإذن الله، وإذا كانت الجبهة دافئة أدت إلي ارتفاع درجة الحرارة، وإلي تكون السحب الركامية Cumuliformorheapclouds المتجمعة علي هيئة أكوام مكدسة من السحاب فوق بعضها البعض بما يشبه سلاسل الجبال المفصولة بالأودية والأخاديد، مما يعكس الارتفاعات المتعددة للهواء المشبع ببخار الماء من أماكن متفرقة، واستمرار تدفق الهواء المشبع ببخار الماء إلي أعلي يؤدي إلي زيادة إمكانية تكثف بخار الماء فيها، وبالتالي إلي إمكانية هطول المطر منها بإذن الله.وتؤدي الكتل الهوائية الدافئة الرطبة إلي تكون كل من السحاب والضباب والندي، ومع إرسال الرياح تتشكل السحب الطباقية بإذن الله Stratiformorlayeredclouds وهي تتكون من طبقات تمتد افقيا لمئات من الكيلومترات المربعة تعكس الارتفاع المنتظم للهواء المشبع ببخار الماء عبر مساحات كبيرة، ولذلك فهي عادة ما تكون اغزر انواع السحب إمطارا وأوسعها انتشارا بإذن الله تعالى.اما إذا كانت الكتل الهوائية دافئة وجافة، فينتج عنها تكون الصقيع في الصباح الباكر أيام فصل الشتاء، وإثارة الغبار والاتربة والزوابع الشديدة في فصل الصيف خاصة إذا رافقتها رياح شديدة السرعة نسبيا..المرتفعات الجوية: يعرف المرتفع الجوي بأنه جزء من الهواء فوق منطقة معينة من الأرض يتميز بضغط اعلي من ضغط الهواء في المناطق المحيطة به، ومنها:(1) المرتفعات الجوية الدافئة التي تتشكل في المناطق شبه المدارية، وتتكون بسبب هبوط، الهواء البارد من اعلي وانضغاطه، وبالتالي ارتفاع درجة حرارته مع زيادة ضغطه.(2) المرتفعات الجوية الباردة: وتتشكل فوق مناطق الجليد الواسعة بفعل التبريد المستمر للهواء الساكن فوق تلك المناطق مما يؤدي إلي تقلص الهواء وزيادة كثافته وارتفاع ضغطه.وتعد المناطق الهوائية ذات الضغط المرتفع مصدرا من مصادر إرسال الرياح بإذن الله تعالى لأنها تدفع بالهواء الداخل فيها من قمتها إلي أسفل هابطا ليخرج من قاعدتها في اتجاه عقارب الساعة كما تدفع الهواء من حولها بعيدا عن مركزها مما يؤدي إلي حركة الكتل الهوائية، وانتقالها تدريجيا من اماكنها بحركات دورانية رأسية وأفقية واسعة، وهبوط الهواء من الاجواء العليا في المرتفع وانتشاره أفقيا فوق سطح الأرض من عوامل تكون كتلة هوائية مستقرة نسبيا ومتجانسة التركيب.ويصاحب المرتفع الجوي عادة بشيء من صفاء الجو، مع قلة الرطوبة النسبية، وإن كان خروج تيار الرياح من قاعدة المرتفع قد يثير شيئا من غبار الأرض، ويؤدي إلي تكون عدد من الزوبعات الترابية..المنخفضات الجوية: يعرف المنخفض الجوي بأنه جزء من الهواء فوق منطقة معينة من الأرض يتميز بضغط أخفض من ضغط الهواء في المناطق المحيطة به، ومنها:(1) المنخفض الجوي الحراري: وينشأ بسبب تسخين الهواء بملامسته لسطح الأرض مما يؤدي إلي تمدده، وتناقص كثافته وارتفاعه إلي أعلي كما يحدث في المناطق الحارة.(2) المنخفض الجوي الجبهي: وينشأ عند التقاء جبهتين هوائيتين إحداهما دافئة والاخري باردة، فيصعد الهواء الدافئ إلي أعلي، ويدخل الهواء البارد تحته فتتشكل كتلتان هوائيتان دافئة وباردة.وتدور الرياح حول المنخفض الجوي في عكس اتجاه عقارب الساعة نحو الداخل وعلي ذلك فإن نمو المنخفض الجوي أو اضمحلاله يعتمد علي معدل دخول الهواء فيه عند سطح الأرض ومعدل خروجه منه إلي أعلي.وتتحرك الرياح من المرتفع الجوي إلي المنخفض الجوي قرب سطح الأرض، وفي الأجواء العليا تتحرك بشكل افقي معاكس بالنسبة للمرتفع الجوي أي يخرج من قمة المنخفض الجوي بحركة دورانية ليتجه مع الاتجاه السائد للرياح العليا، بينما يدخل في قمة المرتفع الجوي هابطا إلي اسفل ليخرج من قاعدته.ونظرا لقدوم الكتل الباردة من المناطق القطبية، والكتل الدافئة من المناطق المدارية فإن التقاءهما يكون غالبا فوق مناطق العروض المتوسطة، ونظرا لانحراف الكتل الهوائية في اثناء سيرها نحو اليمين في نصف الكرة الشمالي، ونحو اليسار في نصفها الجنوبي، فإن الجبهتين عند التقائهما تدور الرياح حول مركز المنخفض في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة. وصعود الهواء الرطب إلي اعلي في منطقة الضغط المنخفض يساعد علي تكثيف مابه من بخار الماء، وعلي تكوين السحب الركامية، وحدوث ظواهر الرعد والبرق فيها وربما إلي نزول المطر بإذن الله..حركة المنخفضات الجوية والجبهات الهوائية: تتحرك المنخفضات الجوية في غالبيتها من الغرب إلي الشرق مع اتجاه دوران الأرض حول محورها بسرعات تتراوح بين 30،20 كم / ساعة، ويرافقها في حركتها وتدور حولها جبهاتها الهوائية، ويلاحظ تباطؤ سرعة المنخفض الجوي عند مروره فوق اليابسة، وإنحراف اتجاهه نحو القطب الشمالي أو الجنوبي للأرض حسب وضعه في أي من نصفي الأرض خاصة إذا صادف تضاريسا معترضة كالسلاسل الجبلية التي يصطدم بها، فتزيد من إمكانية صعوده إلي اعلي، وتكون السحب الركامية، وزيادة امكانية تكثف بخار الماء فيها، وبالتالي إمكانية هطول المطر منها بإذن الله.ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالى بقوله عز من قائل: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي إذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون} (الأعراف: 57).وتشير الآية الكريمة إلي حركات الرياح، الافقية والرأسية، ودورها في تكوين وحمل السحاب الثقال المزن المثقلة بما فيها من قطرات الماء، وسوقه أفقيا إلي حيث يشاء الله تعالى، وإنزال ما به من ماء حين تصل كتلة قطرة الماء حدا لا يقوي السحاب علي حمله، فيحيي به الله تعالى الأرض بعد موتها ويخرج به من كل الثمرات، ويضرب ذلك مثلا لإخراج الموتي، فسبحان الذي أنزل القرآن بهذه الدقة العلمية الفائقة حتي في مقام ضرب المثل، وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الأمي الذي تلقاه وعلي آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الدين. اهـ...تفسير الآية رقم (58): قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما كانت الموت موتين: حسيًا ومعنويًا- كما أشير في الأنعام في آية {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله} [الأنعام: 36] {أو من كان ميتًا فأحييناه} [الأنعام: 122] كان كأنه قيل: لا فرق في ذلك عندنا بين أموات الإيمان وأموات الأبدان، فكما أنا فاوتنا بين جواهر الأراضي بخلق بعضها جيدًا وبعضها رديئًا كذلك فاوتنا بين عناصر الأناسي بجعل بعضها طيبًا وبعضها خبيثًا، فالجيد العنصر يسهل إيمانه، والخبيث الأصل يعسر إذعانه وتبعد استقامته وإيقانه {والبلد الطيب} أي الذي طابت أرضه فكانت كريمة منبتة {يخرج نباته} أي إذا نزل عليه الماء خروجًا كثيرًا حسنًا سهلًا غزيرًا {بإذن} أي بتمكين {ربه} أي المربي له بما هيأه له، والذي طاب في الجملة ولم يصل إلى الغاية يخرج له نبات دون ذلك، والخبيث لا يخرج له نبات أصلًا بمنع ربه له {والذي خبث} أي حصلت له خباثة في جبلته بكون أرضه سبخة أو نحوها مما لا يهيئه الله تعالى للإنبات {لا يخرج} أي نباته {إلا} أي حال كونه {نكدًا} أي قليلًا ضعيف المنفعة، وهو- مع كونه دالًا على أن ذلك ما كان على ما وصف مع استواء الأراضي في الأصل واستواء المياه ونسبتها إلى الأفلاك والنجوم إلا بالفاعل المختار- مثل ضربه سبحانه للمؤمن والكافر عند سماعهما للذكر من الكتاب والسنة، والآية من الاحتباك.ولما استوت هذه الآيات على الذروة من بدائع الدلالات، كان السامع جديرًا بأن يقول: هل تبين جميع هذه الآيات هذه البيان؟ فقيل: {كذلك} أي نعم، مثل هذا التصريف، وهو الترديد مع اختلاف الأنحاء لاختلاف الدلالات وإبرازها في قوالب الألفاظ الفائقة والمعاني الرائقة في النظوم المعجزة على وجوه لا تكاد تدخل تحت الحصر: {نصرف الآيات} أي كلها؛ ولما تم ذلك على هذا المنهاج الغريب والمنوال العجيب المذكر بالنعم في أسلوب دال على التفرد وتمام القدرة، كان أنسب الأشياء ختمه بقوله مخصصًا بها المنتفع لأنها بالنسبة إلى غيرهم كأنها لم توجد: {لقوم يشكرون} أي يوجد منهم الشكر للنعم وجودًا مستمرًا فلا يشركون بل ينتفعون بما أنعم عليهم به وحده في عبادته وحده، وينظرون بعقولهم أنه أقدرهم بنعمه على ما هم عاجزون عنه، فلا يسلبون عنه شيئًا من قدرته على بعث ولا غيره فإنهم يزعمون أنهم أهل معالي الأخلاق التي منها أنه ما جزاء الإحسان إلاّ الإحسان. اهـ.
|